فصل: سورة الملك

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***


سورة الملك

مسألة من حلب - وقع في تفسير البيضاوي في تفسير الملك في قوله ‏(‏فسحقا لأصحاب السعير‏)‏ قال والتغليب للإيجاز إلى آخره فالتغليب في ماذا‏.‏

الجواب‏:‏

هو في قوله لأصحاب السعير فإنه أريد به الفريقان أصحاب السعير والذين قالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا فيهم ولو جاء على طبق الآية المتقدمة لقيل فسحقا لهم ولأصحاب السعير منهم فوقع التغليب للإيجاز ولأن الذين يكونون فيهم يصيرون منهم‏.‏

سورة المدثر

مسألة‏:‏

في قوله سبحانه وتعالى ‏(‏والصبح إذا أسفر‏)‏ هل له تعلق بضوء الشمس أم لا وهل للنهار ضوء غير ضوء الشمس مختص به أم لا نور له ولا ضوء أصلا وما معنى قوله تعالى ‏(‏حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر‏)‏ وهل الوارد في الحديث أن الله تعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم فجزأه أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول العرش وخلق من الجزء الثاني القلم وخلق من الثالث اللوح ثم قسم الجزء الرابع وجزأه أربعة أجزاء وخلق من الجزء الأول العقل وخلق من الجزء الثاني المعرفة وخلق من الجزء الثالث نور الشمس والقمر ونور الأبصار ونور النهار وجعل الجزء الرابع تحت ساق العرش مدخورا يقتضي أن نور الشمس غير نور النهار أم لا، وهل قال قائل أن المراد بقوله تعالى ‏(‏والشمس وضحاها‏)‏ أن الضحى هنا هو النهار في قوله تعالى ‏(‏والنهار إذا جلاها‏)‏ وهل هما غير أم لا أفتونا مأجورين وأبسطوا الجواب أثابكم الله الجنة‏.‏

الجواب‏:‏

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الصبح في اللغة هو الفجر كذا في الصحاح وأسفر معناه اضاء كذا أخرجه ابن المنذر في تفسيره عن قتادة وإذا تعلق بهذين الأمرين لم يكن للآية تعلق بضوء الشمس ومقتضى الأدلة من الأحاديث والآثار وكلام الإثم ة في تفسير الآيات وكلام أهل اللغة مختلف منه ما يشهد لأن النهار نوره غير نور الشمس ومنه ما يشهد لأن نوره نورها فمن الأول ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن السدي في قوله تعالى ‏(‏الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور‏)‏ قال الظلمات ظلمة الليل والنور نور النهار فهذا تصريح بأن النهار له نور حيث أضافه إليه وقابله بظلمة الليل وليس سببه الشمس كما أن ظلمة الليل ليس لها سبب نشأت عنه، وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية قال خلق الله السماوات قبل الأرض وخلق الظلمة قبل نور النور وخلق الجنة قبل النار، وأخرج ابن المنذر عن أبي عبيد في الآية قال النور الضوء فهذان صريحان في أن المراد بالنور ضوء خلقه الله على حاله لا تعلق له بالشمس ولا بغيرها، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عكرمة قال سئل ابن عباس الليل كان قبل النهار فقرأ ابن عباس ‏(‏إن السماوات والأرض كانتا رتقا‏)‏ قال فالرتق الظلمة الليل كان قبل النهار، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى ‏(‏فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة‏)‏ فكما أن الليل كان يسمى ليلا قبل خلق القمر فيه كذلك كان يسمى النهار نهارا قبل خلق الشمس واستمرت التسمية في الليل والنهار بعد خلق القمر والشمس فالنهار على هذا غير الشمس وضوؤها غير نورها، وقال الكرماني القديم في تفسيره في سورة الأنعام في قوله ‏(‏وجعل الظلمات والنور‏)‏ جمع الظلمات لأنها تحدث عن أشياء كظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة البحر ووحد النور لأنه متحد الوصف وهو ما يرى ويرى به، وأعظم دليل على أن النهار له نور يخصه لا تعلق له بالشمس أن الجنة فيها نهار بلا شمس أخرج البيهقي في شعب الايمان عن شعيب بن الحجام قال خرجت أنا وأبو الغالب الرياحي قبل طلوع الشمس فقال نبئت أن الجنة هكذا، وقد وردت آثار بأن الأيام على عدتها أجسام مخلوقة تتكلم وتحشر كأثر ما من يوم ينقضي من الدنيا إلا قال ذلك اليوم الحمد لله الذي أخرجني من الدنيا وأهلها ثم يطوى عليه فيختم إلى يوم القيامة حتى يكون الله هو الذي يفض خاتمه أخرجه أبو نعيم في الحلية عن مجاهد، وروى ابن خزيمة والحاكم في المستدرك حديث تحشر الأيام على هيئتها وتحشر الجمعة زهراء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تضيء لهم يمشون في ضوئها فهذه كلها تدل على أن النهار له ضوء يخصه لا تعلق له بالشمس لكن عارض هذا أن ابن جرير قال في تفسيره اختلف أهل التأويل في قوله تعالى ‏(‏والشمس وضحاها‏)‏ فقال قتادة معنى ذلك والشمس والنهار وكان يقول الضحى هو النهار كله وقال مجاهد وضحاها وضوءها قال ابن جرير والصواب أن يقال إن الله تعالى أقسم بالشمس ونهارها لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار هذه عبارة ابن جرير وهي صريحة في أن النهار هو ضوء الشمس، وقال الكرماني القديم في تفسيره ما نصه‏:‏ والشمس سراج النهار بالإجماع وضحاها ارتفاعها وضوؤها وحرها وقيل هو النهار كله ثم قال ‏(‏والنهار إذا جلاها‏)‏ أي جلى الظلمة وقيل جلا الشمس لأنها تظهر بالنهار وإن كان النهار من ضوئها - هذه عبارته وهي أيضا صريحة في أن النهار من ضوء الشمس، وقال الراغب الصبح والصباح أول النهار وهو وقت ما احمر الأفق بحاجب الشمس فأسند نور الصباح والنهار إلى الشمس وقد وردت آثار كثيرة استوفيتها في التفسير المأثور شاهدة للقولين معا ولا حاجة إلى الإطالة بذكرها وفيها ما يدل على أن الفجر أيضا من نور الشمس وفيها ما يدل على خلافه، والحديث المذكور في السؤال ليس له إسناد يعتمد عليه، وقول السائل وهو قال قائل إلى آخره قد حكيناه فما تقدم عن قتادة والله أعلم‏.‏

سورة المرسلات

مسألة‏:‏

في قوله تعالى ‏(‏إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالات صفر‏)‏‏.‏

الجواب‏:‏

في قوله تعالى كالقصر قراءتان المشهورة بسكون الصاد والمراد به البيت قاله ابن قتيبة، وقال ابن مسعود كالحصون والمدائن وقرأ ابن عباس بفتح الصاد جمع قصرة والمراد به أعناق الإبل وقيل أصول الشجر قال ابن عباس كانت العرب تقول في الجاهلية‏:‏ اقصروا لنا الحطب فيقطع على قدر الذراع والذراعين، وقوله جمالات فيه قراءتان المشهورة بكسر الجيم جمع جمالة وجمالة جمع جمل والصفر هي السود شبهها بالإبل السود وإطلاق الصفر على الإبل السود معروف كإطلاق السواد على الخضرة وقرأ ابن عباس جمالات بضم الجيم وفسره بحبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوسط الرجال رواه البخاري في صحيحه والقراءتان بتفسيرهما في قوله تعالى ‏(‏حتى يلج الجمل في سم الخياط‏)‏ وفي رواية عن ابن عباس أن المراد بقوله ‏(‏جمالات صفر‏)‏ قطع نحاس أخرجها ابن أبي حاتم‏.‏

سورة الليل

مسألة‏:‏

في قوله تعالى ‏(‏لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى‏)‏ إلى آخر السورة هل نزلت في رجلين معينين وما سبب نزولها وهل المراد بالأتقى أبو بكر الصديق‏.‏

الجواب‏:‏

أخرج البزار في مسنده وابن جرير وابن المنذر في تفسيرهما عن عبد الله بن الزبير، وابن جرير أيضا عن سعيد بن جبير وابن أبي حاتم في تفسيره عن عروة بن الزبير أن قوله تعالى ‏(‏وسيجنبها الأتقى‏)‏ إلى آخر السورة نزلت في أبي بكر الصديق حيث اشترى سبعة كلهم يعذب في الله وأعتقهم، وقال ابن جرير ان الصحيح الذي قاله أهل التأويل إنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، واخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن الآية نزلت في أبي بكر وأن ما قبلها نزل في أمية بن خلف، وممن ذكر أنها نزلت في أبي بكر الواحدي في أسباب النزول والسهيلي في التعريف والاعلام وقال القرطبي في تفسيره قال ابن عباس الأشقى أمية بن خلف والأتقى أبو بكر الصديق، وقال بعض أهل المعاني أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي، ونقل ابن جرير هذا القول وضعفه وصحح الأول وقد تواردت خلائق من المفسرين لا يحصون على أنها نزلت في أبي بكر والله أعلم‏.‏

الحبل الوثيق في نصرة الصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد فقد رفع إلى سؤال في قوله تعالى ‏(‏لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى‏)‏ إلى آخر السورة هل نزل ذلك في رجلين معينين وما سبب نزوله وهل المراد بالأتقى أبو بكر الصديق أو الآية عامة فيه وفي غيره، وذكر السائل أن السبب في هذا السؤال أن الأمير ازدمر حاجب الحجاب والأمير خاير بك من حديد وقع بينهما تنازع في أبي بكر رضي الله عنه هل هو أفضل الصحابة وأن خاير بك قائل بذلك وأن ازدمر ينكر ذلك وأنه طالب خاير بك بدليل من القرآن على أن أبا بكر أفضل وأن خاير بك استدل عليه بقوله تعالى وسيجنبها الأتقى فإنها نزلت في حق أبي بكر وقد قال الله تعالى ‏(‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏)‏ وأن ازدمر قال الأتقى عام في أبي بكر وغيره وطالب كل منهما الآخر بشهادة العلماء له بنصره قوله وأن الشيخ شمس الدين الجوجري كتب على سؤال نظير هذا السؤال فقلت أرني ما كتب فأرانيه فإذا فيه أن الآية وإن نزلت في أبي بكر فإنها عامة المعنى إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فقلت هذا شأن من يلقي نفسه في كل واد والرجل فقيه فما له يتكلم في غير فنه وهذه المسألة تفسيرية حديثية أصولية كلامية نحوية فمن لم يكن متبحرا في هذه العلوم الخمسة لم يحسن التكلم في هذه المسألة وأنا أوضح الكلام عليها في فصلين‏:‏

‏(‏الفصل الأول‏)‏‏:‏ في تقرير أنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه، قال البزار في مسنده حدثنا بعض أصحابنا عن بشر ابن السري ثنا مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال نزلت هذه الآية ‏(‏وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى‏)‏ إلى آخر السورة في أبي بكر الصديق، وقال ابن جرير في تفسيره‏:‏ حدثني محمد ابن إبراهيم الأنماطي ثنا هرون بن معروف ثنا بشر بن السرى به وقال ابن المنذر في تفسيره حدثنا موسى بن هرون ثنا هرون بن معروف ثنا بشر بن السري به وقال الآجري في الشريعة ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن آدم المروزي ثنا بشر بن السري به، وقال ابن أبي حاتم في تفسيره ثنا أبي ثنا محمد بن أبي عمر العدني ثنا سفيان ثنا هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله منهم بلال وعامر بن فهيرة وفيه نزلت ‏(‏وسيجنبها الأتقى‏)‏ إلى آخر السورة، وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى ثنا ابن ثور عن معمر قال أخبرني عن سعيد في قوله ‏(‏وسيجنبها الأتقى‏)‏ قال نزلت في أبي بكر أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاءا ولا شكورا ستة أو سبعة منهم بلال وعامر بن فهيرة، وقال ابن إسحاق حدثني محمد ابن أبي عتيق عن عامر بن عبد الله عن أبيه قال قال أبو قحافة لأبي بكر أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذ فعلت ما فعلت اعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقوموني دونك فقال يا أبة إني إنما أريد ما أريد ثم نزلت هذه الآيات فيه ‏(‏وسيجنبها الأتقى الذي يؤتّى ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى‏)‏ أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق زياد البكائي عن ابن إسحاق، وقال صحيح على وجه مسلم، وقال ابن جرير حدثني هرون بن إدريس الأصم ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال كان أبو بكر الصديق يعتق على الاسلام بمكة فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه أي بني أراك تعتق أناسا ضعفاء فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أي أبت إنما أريد ما عند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه ‏(‏فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى‏)‏ إلى قوله ‏(‏وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى‏)‏ وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا منصور ابن أبي مزاحم ثنا ابن أبي الوضاح عن يونس بن أبي إسحاق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه لله فأنزل الله ‏(‏والليل إذا يغشى‏)‏ إلى آخرها في أبي بكر وأمية بن خلف، وقال الآجري في الشريعة ثنا حامد بن شعيب أبو العباس البلخي ثنا منصور بن أبي مزاحم ثنا أبو سعيد المؤدب عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مسعود قال إن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف وأبى بن خلف ببردة وعشرة أواق فاعتقه لله فأنزل الله ‏(‏والليل إذا يغشى‏)‏ إلى قوله ‏(‏وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى‏)‏ يعني أبا بكر ‏(‏وما لأحد عنده من نعمة تجزى‏)‏ قال لم يصنع ذلك أبو بكر ليد كانت منه إليه فيكافئه بها ‏(‏إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى‏)‏ وفي تفسيره البغوي قال سعيد بن المسيب بلغني أن أمية ابن خلف قال لأبي بكر الصديق في بلال حين قال أتبيعنيه قال نعم أبيعه بقسطاس عبد لأبي بكر صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش وكان مشركا يأبى الإسلام فاشتراه أبو بكر به فقال المشركون ما فعل ذلك أبو بكر ببلال إلا ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله ‏(‏وما لأحد عنده من نعمة تجزى‏)‏ وفي تفسير القرطبي روى عطاء أو الضحاك عن ابن عباس قال عذب المشركون بلالا فاشتراه أبو بكر برطل من ذهب من أمية بن خلف وأعتقه فقال المشركون ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده فنزلت ‏(‏وما لأحد عنده من نعمة تجزى‏)‏ قال الآجري‏:‏ هذا وما قدمناه من الأحاديث يدل على أن الله خص أبا بكر بأشياء فضله بها على جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فهذا ما يتعلق بنزول الآية وهو من علم الحديث ويأتي في الفصل بعد هذا ما يتعلق بها من العلوم الأربعة التفسير والكلام وأصول الفقه والنحو وقد تواردت خلائق من المفسرين لا يحصون على أنها نزلت في حق أبي بكر رضي الله عنه وكذا أصحاب الكتب المؤلفة في المبهمات‏.‏

‏(‏الفصل الثاني‏)‏‏:‏ في تضعيف ما أفتى به الجوجري وذلك من أربعة وجوه ثلاثة جدلية وواحد من طريق التحقيق فأما الثلاثة الأولى فأحدها أن نقول لا شك انه لو جاز لأحد أن يفتي في مسألة بمجرد نظره لها في كتاب أو كتابين من غير أن يكون متقنا لذلك الفن بجميع أطرافه ماهرا فيه متبحرا فيه لجاز لآحاد الطلبة أن يفتوا بل العوام والسوقة لا يعدم أحد منهم أن يكون عارفا بعدة من المسائل تعلمها من عالم أو رآها في كتاب ولا ريب في أنه لا يجوز لأحد منهم أن يفتي وقد نص العلماء على أن العامي لو تعلم مسائل وعرفها لم يكن له أن يفتي بها إنما يفتي المتبحر في العلم العارف بتنزيل الوقائع الجزئية على الكلية الكليات المقررة في الكتب وما شرطوا في المفتي أن يكون مجتهدا إلا لهذا المعنى وأمثاله والمدار الآن على التبحر فمن تبحر في فن أفتى به وليس له أن يتعدى إلى فن لم يتبحر فيه ويطلق قلمه فيه وهو لم يقف على متفرقات كلام أرباب ذلك الفن فلعله يعتمد على مقالة مرجوحة وهو يظنها عندهم صحيحة وهذه المسألة من ذلك كما سنبينه، وكذلك ليس لأحد أن يفتي في العربية وقصارى أمره النظر في ابن المصنف والتوضيح ونحو ذلك بل حتى يحيط بالفن خبرة ويقف على غرائبه وغوامضه ونوادره فضلا عن ظواهره ومشاهيره، وما مثل من يفتي في النحو وقصارى أمره ما ذكر إلا مثل ما قرأ المنهاج واقتصر عليه وأراد أن يفتي في الفقه فلو جاءته مسألة من الروضة مثلا فإن كان دينا قال هذه لم أقف عليها وإن كان غير ذلك أنكرها بالكلية وقال هذا شيء لم يقله أحد بل ولا والله لا يكتفي في إباحة الفتوى بحفظ الروضة وحدها فماذا يصنع في المسائل التي اختلف فيها الترجيح، ماذا يصنع في المسائل ذات الصور والأقسام، ولم يذكر في الروضة بقية صورها وأقسامها، ماذا يصنع في مسائل لها قيود ومحال تركت من الروضة وهي مفرقة في شرح المهذب وغيره من الكتب، ماذا يصنع في مسائل خلت عنها الروضة بالكلية بل لابد في المفتى من أن يضم إلى الروضة حمل كتب فإن لم ينهض إلى ذلك وعسر عليه النظر في كتاب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه المتقدمين فلا أقل من استيعاب كتب المتأخرين وقد قال ابن بلبان الحنفي في كتابه زلة القارئ قال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني في خزانة الأكمل لا يجوز لأحد أن يفتي في هذا الباب يعني باب اللحن في القراءة إلا بعد معرفة ثلاثة أشياء حقيقة النحو والقراءات الشواذ وأقاويل المتقدمين والمتأخرين من أصحابنا في هذا الباب، الوجه الثاني أن يقول لا شك في أن القرآن الكريم حاو لجميع العلوم وأئمة المفسرين وأصناف شتى كل صنف منهم غلب عليه فن من العلوم فكان تفسيره في غاية الاتقان من حيث ذلك الفن الغالب عليه فينبغي لمن أراد التكلم على آية من حيثية أن ينظر تفسير من غلب عليه ذلك الفن الذي تلك الحيثية منه فمن أراد التكلم على آية من حيث التفسير الذي هو نقل محض ومعرفة الأرجح فيه فالأولى أن ينظر عليها تفاسير أئمة النقل والأثر وأجلها تفسير ابن جرير الطبري فقد قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات‏:‏ كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله وقريب منه من تفاسير المتأخرين تفسير الحافظ عماد الدين ابن كثير وكذلك من أراد التكلم على آية تتعلق بالأخبار السابقة أو الآتية كاشراط الساعة وأحوال البرزخ والبعث والملكوت ونحو ذلك مما لا مجال للرأي فيه فالأولى أخذها من التفسيرين المذكورين وسائر تفاسير المحدثين المسندة كسعيد بن منصور والقرباني وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ ومن جرى مجراهم ومن أراد التكلم على آية من حيث علم الكلام فالأولى أن ينظر عليها تفسير من غلب عليه الكلام واشتهر بالبراعة فيه كابن فورك والباقلاني وإمام الحرمين والإمام فخر الدين والاصبهاني ونحوهم، ومن أراد التكلم عليها من حيث الأعراب فالأولى أن ينظر عليها تفسير أئمة النحو المتبحرين فيه كأبي حيان، ومن أراد التكلم عليها من حيث البلاغة فالأولى أن ينظر عليها الكشاف وتفسير الطيبي ونحو ذلك، ومسألة تفضيل أبي بكر من علم الكلام وكونه هو المراد بالآية من علم التفسير فكان الأولى للجوجري قبل الكتابة أن ينظر عليها كتاب ابن جرير ونحوه لأجل معرفة الأرجح في التفسير وكتاب الإمام فخر الدين ونحوه لأجل معرفة التقرير الكلامي ثم ينهض إلى مراجعة كتب أئمة الكلام لينظر كيف قرر والاستدلال بها على أفضلية الصديق ككتب الشيخ أبي الحسن الأشعري وابن فورك والباقلاني والشهرستاني وإمام الحرمين والغزالي ومن جرى مجراهم ويتعب كل التعب ويجد كل الجد ويعتزل الراحة والشغل ولا يسأم ولا يضجر يدع الفتيا تمكث عنده الشهر والشهرين والعام والعامين فإذا وقف على متفرقات كلام الناس في المسألة ونظر وحقق وأورد على نفسه كل أشكال وأعد له الجواب المقبول حطم حينئذٍ على الكتابة وحكم بين الأمراء وفصل بين العلماء، وأما الاستعجال في الجواب والكتابة بمجرد ما يخطر بباله ويظهر فيه بادئ الرأي مع الراحة والاتكال على الشهرة وعدم التضلع بذلك الفن وما يحتاج إليه فيه فإنه لا يليق ولهذا تجد الواحد ممن كان بهذه المثابة يكتب ويرجع ويتزلزل بأدنى زلزلة ويضطرب قوله في المسألة الواحدة مرات ويبحث معه أدنى الطلبة فيشككه وأكثر ما يحتج به الواحد منهم إذا صمم على قوله أن يقول الظاهر كذا أو كذا أو هذا الذي ظهر لي من غير اعتماد على مستند بيده أو حجة يظهرها كأنه الشيخ أبو الحسن الشاذلي إمام أرباب القلوب في زمانه الذي كان يسأل معتمدا على الإلهام الواقع في قلبه ذاك إلهامه صواب لا يخطئ وبعد موتات ماتها في الله، الوجه الثالث أن نقول لا شك أن المفتي حكمه حكم الطبيب ينظر في الواقعة ويذكر فيها ما يليق بها بحسب مقتضى الحال والشخص والزمان فالمفتي طبيب الأديان وذلك طبيب الأبدان وقد قال عمر بن عبد العزيز يحدث للناس أحكام بحسب ما أحدثوا من الفجور قال السبكي ليس مراده أن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الزمان بل باختلاف الصور الحادثة فإنه قد يحصل بمجموع أمور حكم لا يحصل لكل واحد منها فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكما خاصا هذا كلام السبكي قرره في كتاب ألفه في شأن رافضي حكم بقتله وسماه غيرة الإيمان الجلى لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وقال السبكي أيضا في فتاويه ما معناه يوجد في فتاوى المتقدمين من أصحابنا أشياء لا يمكن الحكم عليها بأنها المذهب في كل صورة لأنها وردت على وقائع فلعلهم رأوا أن تلك الوقائع يستحق أن يفتي بها بذلك ولا يلزم اطراد ذلك واستمراره وهذه الواقعة المسؤول عنها تتعلق برافضي وليته رافضي فقط بل زنديق جاهل من كبار الجهلة ولقد اجتمعت به مرة فرأيت منه العجب من إنكاره الاحتجاج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد أقواله الشريفة ويقول لعنه الله وفض فاه النبي واسطى ما قاله وهو في القرآن فصحيح وما قاله وليس في القرآن وذكر كلمة لا أستطيع ذكرها فرجعت من عنده ولم أجتمع به إلى الآن وألفت مؤلفا سميته مفتاح الجنة في الاعتصام بالسنة وكان من جملة أقواله في ذلك المجلس على عنده العلم والشجاعة وأبو بكر ليس عنده ذلك وإنما زوجه بابنته وأنفق عليه ماله فكافأه بالخلافة بعده فقلت له وردت الأحاديث بأن أبا بكر أعلم الصحابة وأشجعهم فقال هذه الأحاديث كذب ثم أعاد الآن الكلام في ذلك مع خاير بك وطلب منه الاستدلال على أفضلية أبي بكر بآية من القرآن لأنه لا يرى الحديث حجة فذكر له خاير بك هذه الآية ولم يقلها من عند نفسه بل رآها في بعض كتب الكلام فذكرها فكان لا يليق بالجوجري في مثل هذه الواقعة أن يفتي بأن الآية ليست خاصة بأبي بكر ولا دالة على أفضليته فيؤيد مقالة الرافضي ويثبته على معتقده الخبيث ويدحض حجة قررها أئمة كل فرد منهم أعلم بالتفسير والكلام وأصول الفقه من مائة ألف من مثل الجوجري والله لو كان هذا القول في الآية هو المرجوح لكان اللائق في مثل هذه الواقعة أن يفتي به فكيف وهو الراجح والذي أفتى به الجوجري قول مرجوح، هذه الوجوه الثلاثة الجدلية وأما الوجه الذي يرد به عليه من جهة التحقيق فأقول قال البغوي في معالم التنزيل يريد بالأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى يطلب أن يكون عند الله زكيا لا رياء ولا سمعة يعني أبا بكر الصديق في قول الجميع وقال ابن الخازن في تفسيره الأتقى هنا أبو بكر الصديق في قول جميع المفسرين وقال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره أجمع المفسرون هنا على أن المراد بالأتقى أبو بكر وذهبت الشيعة إلى أن المراد به علي فانظر إلى نقل هؤلاء الأئمة الثلاثة إجماع المفسرين على أن المراد بالأتقى أبو بكر لا كل تقى، وقال الأصبهاني في تفسيره خص الصلى بالأشقى والتجنب بالأتقى وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلى أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء لأن الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل الأشقى وجعل مختصا بالصلى كأن النار لم تخلق إلا له وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له‏.‏ انتهى، وهذا صريح في أن المراد بالأتقى أتقى الأتقياء على الاطلاق لا مطلق التقى وأتقى الأتقياء على الإطلاق بعد النبيين أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وقال النسفي في تفسيره الأتقى الأكمل تقوى وهو صفة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقال ودل على فضله على جميع الأمة قال تعالى ‏(‏إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏)‏ انتهى‏.‏ وقال القرطبي في تفسيره قال ابن عباس الأتقى أبو بكر الصديق وقال بعض أهل المعاني أراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي كقول طرفة‏:‏

تمنى رجال أن أموت وإن أمت *** فتلك سبيل لست فيها بأوحد

أي واحد ووحيد فوضع أفعل موضع فعيل انتهى‏.‏ وهذا الذي نقله عن بعض أهل المعاني هو الذي أفتى به الجوجري عادلا عن قول جميع المفسرين إلى قول بعض أهل النحو قال ابن الصلاح حيث رأيت في كتب التفسير قال أهل المعاني فالمراد به مصنفو الكتب في معاني القرآن كالزجاج والفراء والأخفش وابن الأنباري انتهى‏.‏ وكذا نقل ابن جرير في تفسيره هذه المقالة عن بعض أهل العربية ثم قال والصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل أنها في أبي بكر بعتقه من أعتق من المماليك ابتغاء وجه الله فأنت ترى هذه النقول تنادي على أن الذي أفتى به الجوجري مقالة في الآية لبعض النحويين مشى عليها بعض المصنفين في التفسير وأن الذي وردت به الآثار وقاله المفسرون من السلف وصححه الخلف اختصاصها بأبي بكر ابقاء للصيغة على بابها هذا بيان رجحان ذلك من حيث التفسير وأما من حيث أصول الفقه والعربية فأقول قول الجوجري إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فرع أن يكون في اللفظ عموم حتى يكون العبرة به والآية لا عموم فيها أصلا ورأسا بل هي نص في الخصوص وبيان ذلك من وجهين‏:‏ أحدهما أن العموم إنما يستفاد في مثل هذه الصيغة من أل الموصولة والتعريفية وليست أل هذه موصولة قطعا لأن الأتقى أفعل تفضيل وأل الموصولة لا توصل بأفعل التفضيل بإجماع النحاة وإنما توصل باسم الفاعل والمفعول وفي الصفة المشبهة خلاف وأما أفعل التفضيل فلا توصل به بلا خلاف وأما التعريفية فإنما تفيد العموم إذا دخلت على الجمع فإن دخلت على مفرد لم تفده كما اختار الإمام فخر الدين ومن قال إنها تفيده فيه قيده بأن لا يكون هناك عهد فإن كان لم تفده قطعا هذا هو المقرر في علم الأصول والأتقى مفرد لا جمع والعهد فيه موجود فلا عموم فيه قطعا فعلم بذلك أنه لا عموم في الأتقى فتأمل فإنه نفيس فتح الله به علي تأييدا للجناب الصديقي، الوجه الثاني أن الأتقى أفعل تفضيل وأفعل التفضيل لا عموم فيه بل وضعه للخصوص فإنه لتفرد الموصوف بالصفة وأنه لا مساوى له فيها كما تقول زيد أفضل الناس أو الأفضل فإنها صيغة خصوص قطعا عقلا ونقلا ولا يجوز أن تتناول غيره أبدا فبان بذلك أنه لا عموم في الأتقى وإلى ذلك يشير تقرير الاصبهاني حيث قال فإن قلت كيف قال لا يصلاها إلا الأشقى وسيجنبها الأتقى وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص بالصلى أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء وإن زعمت أنه نكر النار فأراد نارا بعينها مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله وسيجنبها الأتقى فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة قلت الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتهما المتناقضتين فقيل الأشقي وجعل مختصا بالصلى كأن النار لم تخلق إلا له وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له هذه عبارة وهي صريحة في إرادة الخصوص أخذا من صيغة أفعل التفضيل ومن جنح من أهل العربية إلى أنها للعموم احتاج إلى تأويل الأتقى بالتقى ليخرج عن التفضيل وهذا مجاز قطعا والمجاز خلاف الأصل ولا يصار إليه إلا بدليل ولا دليل يساعده بل الدليل يعارضه وهو الأحاديث الواردة في سبب النزول وإجماع المفسرين كما نقله من تقدم فثبت بهذا كله أن الكلام على حقيقته للتفضيل وأن اللام للعهد وأنه لا عموم فيه أصلا فإن قلت‏:‏ لم يؤخذ العموم من لفظ الأتقى بل من لفظ الذي يؤتى فإن الذي من صيغ العموم قلت‏:‏ هذه غفلة منك وجهل بالعربية فإن الذي وصف للأتقى وقد تبين أن الأتقى خاص فيجب أن تكون صفته كذلك لما تقرر في العربية أن الوصف لا يكون أعم من الموصوف بل مساويا له أو أخص منه فاشدد بهذا الكلام يديك وعض عليه بناجذيك على أن في قوله ‏(‏وما لأحد عنده من نعمة تجزى‏)‏ وقوله ‏(‏ولسوف يرضى‏)‏ ما يشير إلى التنصيص على التخصيص وقد قرر الإمام فخر الدين اختصاص الآية بأبي بكر والاستدلال بها على أفضليته بطريق آخر فقال أجمع المفسرون منا على أن المراد بالأتقى أبو بكر وذهب الشيعة إلى أن المراد به علي والدلالة النقلية ترد ذلك وتؤيد الأول وبيان ذلك أن المراد من هذا الأتقى أفضل الخلق لقوله تعالى ‏(‏إن أكرمكم عند الله أتقيكم‏)‏ والأكرم هو الأفضل فالأتقى المذكور هنا هو أفضل الخلق عند الله والأمة مجمعة على أن أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أبو بكر وإما علي ولا يمكن حمل الآية على علي فتعين حملها على أبي بكر وإنما لم يكن حملها على علي لأنه قال عقيب صفة هذا الأتقى وما لأحد عنده من نعمة تجزي وهذا والوصف لا يصدق على علي لأنه كان في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخذه من أبيه فكان يطعمه ويسقيه ويكسوه ويربيه فكان الرسول صلى الله عليه وسلم منعما عليه نعمة يجب جزاؤها أما أبو بكر فلم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم عليه نعمة دنيوية بل أبو بكر كان ينفق على الرسول وإنما كان للرسول عليه نعمة الهداية والإرشاد إلى الدين وهذه النعمة ولا تجزي لقوله تعالى ‏(‏لا أسألكم عليه أجرا‏)‏ والمذكور هنا ليس مطلق النعمة بل نعمة تجزي فعلم أن هذه الآية لا تصلح لعلي وإذا ثبت أن المراد بهذه الآية من كان أفضل الخلق وثبت أن ذلك الأفضل من الآية إما أبو بكر وإما علي وثبت أن الآية غير صالحة لعلي تعين حملها على أبي بكر وثبت دلالة الآية أيضا على أن أبا بكر أفضل الأمة انتهى كلام الإمام‏.‏

سورة القدر

مسألة –

يا مفردا فاق أهل العسر بل سلفا *** وصار مشتهرا بالعلم والعمل

في ليلة القدر بالأفراد قد شهرت *** وهل تظن بشهر الصوم في الأزل

أو باليقين وبالعشر الأخير ترى *** من غير شك ولا ريب ولا جدل

وإن تقولوا به ماذا أوائلها *** هل بالغروب إلى فجر يلوح جلي

وهل لقائم نصف الليل من عمل *** من الغروب بفرد العشر في وجل

يدعو الآله مظنا أن دعوته *** قد استجيبت بنيل القصد والأمل

أفتوا عبيدا غدا ممن يلوذ بكم *** يرجو لكم كل قدر تقصدون علي

أثابكم ربكم جناته كرما *** بجاه خير البرايا أشرف الرسل

الجواب –

الحمد لله رب الحمد في الأزل *** ثم الصلاة عليه خاتم الرسل

في ليلة القدر أقوال وعدتها *** لنحو خمسين قولا يا أخي صل

فقيل دائرة في العام أجمعه *** وقيل بل نصف شعبان بلا زلل

ورجحوا كونها شهر الصيام أتت *** وذاك ظن قوي بالدليل جلي

وكونها فيه دارت قول طائفة *** وكونها في الأخير العشر فهو جلي

وذاك ظن بلا قطع وأولها *** من الغروب إلى فجر الصباح جلى

ومن يقم نصف ليل أو أقل حوى *** فضل القيام بها فاقصد بلا وجل

بل من يصلي العشا والصبح ثمت في *** جماعة حاز منها الحظ في الأمل

كذا أتى في حديث صح مسنده *** فاقبله طوعا وكن في الدين ذا عمل

هذا جواب ابن الأسيوطي مرتجيا *** من فضل خالقه الغفران للزلل

بروضة المشتهى خط الجواب لدى *** شوال من عام تسعين بلا ملل

مسألة‏:‏

في كيفية الوحي من الله هل يتلقاه الملك من الله تعالى بكلام يفهمه الملك أو بالعربية للنبي العربي وبالعبرانية للنبي العبراني وهل يلقيه الملك إلى جبريل أو جبريل المتلقي من الله تعالى وقوله تعالى ‏(‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏)‏ وفسر بنزوله إلى بيت العزة ما كيفية نزوله إليه وقوله تعالى للقلم اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة هل يكون بالهام من الله تعالى يلهمه للقلم أو بإملاء من الله تعالى وكيف أخذ الملك الوحي من اللوح المحفوظ هل يقول الله له اليوم الفلاني يقع فيه كذا خذه من اللوح أو يوم يقع فيه يقول له خذها وألقها إلى النبي وهل تنام الملائكة وقوله تعالى ‏(‏فأوحى إلى عبده ما أوحى‏)‏ هل أطلع على ذلك الوحي ملك أو ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لأحد‏.‏

الجواب‏:‏

قال الاصبهاني في أوائل تفسيره اتفق أهل السنة والجماعة على أن كلام الله منزل واختلفوا في معنى الإنزال فمنهم من قال إظهار القراءة ومنهم من قال إن الله تعالى ألهم كلامه جبريل وعلمه قراءته ثم جبريل أداه في الأرض، وقال الطيبي في حاشية الكشاف‏:‏ لعل نزول القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتلقفه الملك من الله تلقفا روحانيا أو يحفظه من اللوح المحفوظ فينزل به إلى الرسول ويلقيه عليه، وقال القطب الرازي في حواشي الكشاف‏:‏ المراد بإنزال الكتب على الرسل أن يتلقفها الملك من الله تلقفا روحانيا أو يحفظها من اللوح المحفوظ وينزل بها فيلقيها عليهم انتهى‏.‏ وقد سألت شيخنا العلامة محي الدين الكافيجي عن كيفية التلقف الروحاني فقال لي لا يكيف، وقال الزركشي اختلف العلماء في المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها أنه اللفظ والمعنى وأن جبريل حفظ القرآن من اللوح المحفوظ ونزل به وذكر بعضهم أن أحرف القرآن في اللوح المحفوظ كل حرف منها بقدر جبل قاف، والثاني أن جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم علم تلك المعاني وعبر عنها بلغة العرب وتمسك قائل هذا بظاهر قوله تعالى ‏(‏نزل به الروح الأمين على قلبك‏)‏‏.‏ والثالث أن جبريل ألقى عليه المعنى وأنه عبر بهذه الألفاظ بلغة العرب وأن أهل السماء يقرؤنها بالعربية ثم إنه نزل به كذلك بعد ذلك، وقال البيهقي في معنى قوله تعالى ‏(‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏)‏ يريد والله أعلم أنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع فيكون الملك هو المنتقل به من علو إلى أسفل، قال أبو شامة ولابد من هذا المعنى على مذهب أهل السنة‏.‏ فهذه نبذة من كلام أئمة السنة في كيفية تلقي جبريل الوحي، وحاصل ما في ذلك أقوال‏:‏ أحدها أنه ألهمه، والثاني أنه سمعه من الله‏:‏ والثالث أنه حفظه من اللوح المحفوظ وقول التلقف الروحاني الظاهر أنه الإلهام فلا يكون قولا رابعا، وقد سئل الإمام أبو إسحاق إسماعيل البخاري الصفار عن تبليغ الوحي من جبريل إلى أنبياء الله هل سمع من الله تعالى جملة أم جاء به من اللوح المحفوظ قال كلا الوجهين جائز وذكر في تفسير سورة القدر أن الله تعالى سمع جبريل كله جملة واحدة ثم أملاه جبريل على السفرة وهم ملائكة في سماء الدنيا لكي لا يكون لهم احتياج حين أسمعهم الله تعالى القرآن‏.‏ وذكر الفقيه الزاهد أبو الليث في تفسير سورة الدخان وفي سورة الأحزاب في قوله تعالى ‏(‏ليسأل الصادقين عن صدقهم‏)‏ وقال في سورة الدخان جاء بها جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا ثم أنزل على محمد نجوما وذكر الدينوري أنه سمع من الله جملة ثم نزل به على محمد صلى الله عليه وسلم متفرقا وقال بعضهم جاء جبريل عليه السلام به سماعا من إسرافيل وإسرافيل من اللوح المحفوظ جملة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم متفرقا ويقال جاء به جبريل في ليلة القدر بما يحتاج له من سنه إلى سماء الدنيا ثم نزل به على محمد متفرقا‏.‏ وقد نظرت في الأحاديث والآثار فوجدتها أيضا مختلفة، وأخرج الطبراني من حديث النواس بن سمعان مرفوعا ‏"‏إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة فإذا سمع ذلك أهل السماء صعقوا وخروا سجدا فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد فينتهي به إلى الملائكة كلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا قال الحق فينتهي به إلى حيث أمر‏"‏ وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود رفعه ‏"‏إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة فيفزعون الحديث‏"‏ هذان الحديثان شاهدان للقول الثاني أن جبريل يسمع الوحي من الله تعالى‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو الشيخ ابن حيان في كتاب العظمة عن ابن سابط قال ‏"‏في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة وكل به ثلاثة من الملائكة فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى إلأنبياء والنصر عند الحروب وبالهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوما ووكل ميكائيل بالقطر والنبات ووكل ملك الموت بقبض الأنفس فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما كان في أم الكتاب فيجدونه سواء‏"‏ فهذا شاهد للقول الثالث أن جبريل حفظ الوحي من أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ، وأخرج البيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل يناجيه إذ انشق أفق السماء ونزل ملك فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويخيرك بين أن تكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا قال فقلت نبي عبد فعرج ذلك الملك فقلت يا جبريل من هذا قال هذا إسرافيل خلقه الله بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه بين يديه اللوح المحفوظ فإذا أذن الله في شيء من السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه فإن كان من عملي أمرني به وإن كان من عمل ميكائيل أمره به وإن كان من عمل ملك الموت أمره به - الحديث‏.‏ وأخرج ابن أبي زيد في كتاب السنة عن كعب قال إذا أراد الله أن يوحي أمرا جاء اللوح المحفوظ حتى يصفق جبهة إسرافيل فيرفع رأسه فينظر فإذا الأمر مكتوب فينادي جبريل فيلبيه فيقول أمرت بكذا أمرت بكذا فيهبط جبريل على النبي فيوحي إليه‏.‏ وأخرج أبو الشيخ في كناب العظمة عن أبي بكر الهذلي قال إذا أمر الله بالأمر تدلت الألواح على إسرافيل بما فيها من أمر الله فينظر فيها إسرافيل ثم ينادي جبريل فيجيبه وذكر نحوه‏.‏ وأخرج أيضا عن أبي سنان قال اللوح المحفوظ معلق بالعرش فإذا أراد الله أن يوحى بشيء كتب في اللوح فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبريل - الحديث، وله شواهد كثيرة استوفيتها في كتابي الذي ألفته في أخبار الملائكة منها ما أخرجه البيهقي في شعب الايمان عن عبد الرحمن بن سابط قال يدبر أمر الدنيا أربعة جبريل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل فأما جبريل فموكل بالرياح والجنود وأما ميكائيل فموكل بالقطر والنبات وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح وأما اسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم‏.‏ وما أخرجه أبو الشيخ عن عكرمة بن خلد أن رجلا قال يا رسول الله أي الملائكة أكرم على الله فقال جبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت فأما جبريل صاحب الحرب وصاحب المرسلين وأما ميكائيل فصاحب القطر والنبات وأما ملك الموت فموكل بقبض الأرواح وأما اسرافيل فأمين الله بينه وبينهم فهذه الأحاديث والآثار تدل على أمر خلاف القولين السابقين وهو أن جبريل يأخذ الوحي من إسرافيل وإسرافيل يأخذه مما كتب تلك الساعة في اللوح، ويمكن الجمع لمن تأمل فلا يكون بينهما اختلاف‏.‏ وقول السائل أو بالعربية للنبي العربي وبالعبرانية للنبي العبراني جوابهما أخرجه ابن أبي حاتم بسند عن سفيان الثوري قال لم ينزل وحي إلا بالعربية ثم ترجم كل نبي لقومه‏.‏ وقوله هل يلقيه الملك إلى جبريل أو جبريل المتلقي من الله تقدم في ذلك أحاديث مختلفة بعضها شاهد للأول وبعضها شاهد للثاني‏.‏ وقوله ما كيفية نزوله إلى بيت العزة ذكر علي بن سهل النيسابوري في تفسيره أن كيفية ذلك أن جبريل حفظه من اللوح المحفوظ ثم أتى به إلى بيت العزة فأملاه على السفرة الكتبة يعني الملائكة وهو معنى قوله تعالى ‏(‏بأيدي سفرة كرام بررة‏)‏ وتابعه الإمام علم الدين السخاوي فقال في كتابه جمال القراء نزل به جبريل إلى السماء الدنيا وأمره سبحانه بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له‏.‏ وأما سؤال القلم فمعنى الحديث أن الله أجراه بالكتابة لما هو كائن بقدرة من الله لا بالإملاء ولا بالإلهام لأنهما إنما يكونان للحيوان والقلم من نوع الجماد وخطابه ورده الجواب من باب خطاب السماء والأرض في قوله تعالى ‏(‏إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين‏)‏‏.‏ ويؤيد هذا المعنى ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال إن الله لما خلق العرش استوى عليه ثم خلق القلم وأمره أن يجري بإذنه فجرى بما هو كائن فأثبته الله في الكتاب المكنون فقوله بإذنه أي بقدرته أي أوجد الكتابة في اللوح بمر القلم عليه بخلق الله ذلك‏.‏ ويؤيده ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن جبير بن نفير قال إن الله خلق القلم فكتب بهما هو خالق وما هو كائن من خلقه فإدخال باء الآلة عليه وإسناد كتب إلى الله صريح في أن القلم آلة والعلم والقدرة لله تعالى‏.‏ وقول السائل وكيف أخذ الملك الوحي من اللوح إلى آخره جوابه ما تقدم في أثر كعب وشبهه‏.‏ وقوله وهل تنام الملائكة لم أقف على شيء في ذلك ولكن ظاهر قوله تعالى ‏(‏يسبحون الليل والنهار لا يفترون‏)‏ انهم لا ينامون‏.‏ وقوله ‏(‏فأوحى إلى عبده‏)‏ إلى آخره من جملة ما أوحاه إليه تلك الليلة فرض الصلوات الخمس في أشياء أخر بينها النبي صلى الله عليه وسلم للناس ومنه ما لم يؤمر ببيانه‏.‏

مسألة‏:‏

رجل ادعى أن لا إله إلا الله أفضل من كلمة بقدرها من القرآن والاشتغال بها أفضل من القرآن يعني التلاوة والذكر متمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أفضل كلمة قلتها والنبيون من قبلي لا إله إلا الله‏"‏ فهل ما يقول مستقيم مع قوله صلى الله عليه وسلم فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وأيضا فالقرآن تحرم تلاوته على الجنب ومسه على المحدث بخلاف الذكر وغير ذلك مما يدل على فضله‏.‏

الجواب‏:‏

لا إله إلا الله من جملة كلمات القرآن فتفضيلها على بقية كلماته من باب تفضيل بعض القرآن على بعض لا من باب تفضيل غير القرآن على القرآن‏.‏

مسألة‏:‏

ما كيفية ما حزب القرآن هل هو بعد الآيات أم غيرها‏.‏

الجواب‏:‏

حزب بعض الحروف لا الآيات ولا الكلمات والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

الفتاوى الحديثية

كتاب الطهارة

مسألة‏:‏

ما قولكم في حديث من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات أخرجه أبو داود والترمذي هل هو صحيح أو ضعيف وما وجه ضعفه من جهة الرواية أو المعنى، وكذا حديث الوضوء على الوضوء نور على نور هل خرجه أحد فإن المنذري في الترغيب والترهيب قال لم أقف على من خرجه ولعله من كلام السلف والمسؤول الكلام على هذين الحديثين وتبيين صحتهما ومعانيهما‏.‏

الجواب‏:‏

الحديث الأول ضعيف صرح بضعفه جماعة وسببه أن في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ضعفه يحيى بن معين والنسائي وقال الإمام أحمد نحن لا نروي عنه شيئا لكن أبو داود إذ رواه سكت عليه فلم يضعفه وقد قال إن ما رويته في هذا الكتاب ولم أضعفه فهو صالح يعني للاحتجاج والصالح له إما صحيح أو حسن فيحتمل أن يكون الحديث عنده حسنا لأن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم لم يتفق على ضعفه فقد قال بعضهم كان الثوري يعظمه ويعرف حقه لكن المشهور تضعيف الحديث، وأما معناه فظاهر لأن الحسنة بعشر أمثالها والوضوء حسنة فمن عملها كتبت له عشرا، ثم إن لفظ الحديث كتب له بالبناء للمجهول من غير ذكر الله‏.‏ وأما الحديث الثاني فلم نر أحدا أخرجه كما قال الإمام المنذري وكذا قال الحافظ زين الدين العراقي في تخريج أحاديث الأحياء لكن قال الحافظ بن حجر أن رزينا أورده في كتابه ومعناه أيضا ظاهر لأن الوضوء يكسب أعضاءه نورا ولهذا قيل إنه مشتق من الوضاءة ودليله قضية الغرة والتحجيل فكان الوضوء على الوضوء يقوى ذلك النور ويزيده إذ لم يعرض له من الحدث ما يقتضي ستره وقد كان شيخنا شيخ الإسلام المناوي يذكر لنا أن الصالحين يشاهدون الحدث على الأعضاء ويرتبون عليه مقتضاه وفيه إشارة إلى ذلك‏.‏

مسألة‏:‏

هل ورد حديث في قراءة سورة القدر بعد الوضوء وما حاله‏.‏

الجواب‏:‏

روى الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي عبيدة عن الحسن عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏من قرأ في أثر وضوئه إنا أنزلناه في ليلة القدر مرة واحدة كان من الصديقين ومن قرأها مرتين كتب في ديوان الشهداء ومن قرأها ثلاثا حشره الله محشر الأنبياء‏"‏ وأبو عبيدة مجهول‏.‏

الأخبار المأثورة في الإطلاء بالنورة

مسألة‏:‏

ما قولكم في الإطلاء بالنورة هل هو سنة مأثورة عن الشارع أم لا وهل الأحاديث الواردة في ذلك ثابتة أم لا كحديث أم سلمة الذي أخرجه ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا طلى بدأ بعورته بالنورة وسائر جسده كله وحديث عائشة الذي أخرجه الإمام أحمد قالت أطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة فلما فرغ منها قال يا معشر المسلمين عليكم بالنورة فإنها طيبة وطهور وإن الله يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم فإن قلتم بأن ذلك ثابت فما الجمع بينه وبين ما أخرجه أبو حاتم عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتنور فإذا كثر شعره حلقه وقول الشيخ محي الدين النووي في فتاويه لم يثبت في ذلك شيء‏.‏

الجواب‏:‏

الحمد لله قد وردت الأحاديث والآثار مرفوعة وموقوفة ومقطوعة موصولة ومرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين باستعمال النورة فهي مباحة غير مكروهة وهل يطلق عليها سنة محل توقف لأن السنة تحتاج إلى ثبوت الأمر بها كحلق العانة ونتف الابط وقص الشارب وقلم الأظفار وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان دليلا على السنة فقد يقال هنا أن هذا من الأمور العادية التي لا يدل فعله لها على السنية، وقد يقال أنه إنما فعل ذلك لبيان الجواز كسائر المباحات التي فعلها ولم توصف بأنها سنة، وقد يقال إنها سنة لما فيه من الاقتداء وقد يقال فيها بالاستحباب بناء على أن المستحب أخف مرتبة من السنة ومحل هذا كله مالم يقصد المتنور اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله أما إذا قصد ذلك فلا ريب في أنه مأجور وآت بسنة‏.‏

ذكر الأحاديث الواردة في أنه صلى الله عليه وسلم تنور

قال ابن ماجه في سننه حدثنا علي بن محمد ثنا عبد الرحمن بن عبد الله ثنا حماد بن سلمة عن أبي حاتم الزماني عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أطلى بدأ بعورته فطلاها وسائر جسده أهله قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في كتابه الذي ألفه في الحمام هذا إسناد جيد وعبد الرحمن ابن عبد الله هذا ذكر صاحب الأطراف أنه أبو سعيد مولي بن هاشم فالله أعلم، ثم رواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن إسحاق بن منصور عن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلى وولي عانته بيده وقد رواه عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا وهذا أيضا إسناد جيد انتهى كلام ابن كثير‏.‏ قلت وله طريق آخر قال الخرائطي في مساوي الأخلاق حدثنا القنطري ثنا يزيد بن خلد بن يزيد ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن كهيل عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينوره الرجل فإذا بلغ مراقه تولى هو ذلك، وقال الخرائطي حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان ثنا سليمان بن سلمة الجنائزي ثنا سليمان ابن ناشرة قال سمعت محمد بن زياد الألهاني يقول كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم جارا لي فكان يدخل الحمام فقلت وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدخل الحمام فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام وكان يتنور - أخرجه يعقوب ابن سفيان في تاريخه عن سليمان بن سلمة الحمصي ثنا بقية ثنا سليمان بن ناشرة به، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريقه، وهذا الحديث فات ابن كثير‏.‏ وأخرجه ابن عساكر في تاريخه من طريق موسى بن أيوب عن بقية عن عمر بن سليمان الدمشقي عن مكحول عن وائلة بن الأسقع قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر جعلت له مائدة فأكل متكئا وأطلى وأصابته الشمس ولبس الظلة قال أحمد سألت آدم ما الظلة قال البرطلة وأومأ بيده إلى رأسه، وهذا أيضا فات ابن كثير‏.‏

وقال سعيد بن منصور في سننه ثنا هشيم عن أبي المشرفي ليث بن أبي راشد عن أبي معشر عن إبراهيم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلى ولى عانته بيده - أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن هشيم وشريك كلاهما عن أبي المشرفي به، قال ابن كثير وهو مرسل يتقوى بالموصول الذي أخرجه ابن ماجه، وقال سعيد بن منصور ثنا الصعدي بن سنان العقيلي عن محمد بن الزبير الحنظلي عن مكحول قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أكل متكئا وتنور‏.‏ قلت هذا الحديث فات ابن كثير فلم يذكره وهو مرسل‏.‏ وقال أبو داود في المراسيل حدثنا أبو كامل الجحدري عن عبد الواحد هو ابن زياد عن صالح بن صالح عن أبي معشر زياد بن كليب أن رجلا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ العانة كف الرجل ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه - أخرجه البيهقي في سننه الكبرى‏.‏ وفي تاريخ ابن عساكر كربسند ضعيف عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور كل شهر ويقلم أظفاره كل خمس عشرة‏.‏ هذا الحديث فات ابن كثير وفيه فائدة نفيسة وهي ذكر التوقيت‏.‏

ذكر الآثار عن الصحابة فمن بعدهم

أخرج الطبراني عن يعلي بن مرة الثقفي قال أطليت يوما ثم تخلقت بزعفران فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فناولته يدي فقلت يا رسول الله صلى على فقال ما هذا الذي على يدك‏.‏ قلت إني تنورت ثم تخلقت فقال ألك امرأة قلت لا قال ألك سرية قلت لا قال فانطلق فاغسله ثم اغسله ثلاث مرات فانطلقت فاغتسلت ثلاث مرات ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصلى علي‏.‏ وأخرج مسدد في مسنده والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر أنه كان يدخل الحمام فينوره صاحب الحمام فإذا بلغ حقوه قال لصاحب الحمام أخرج، وأخرج البيهقي في سننه عن محمد بن زياد الألهاني قال كان ثوبان جارا لنا وكان يدخل الحمام ويتنور، وأخرج البيهقي من طريق أسامة بن زيد الليثي عن نافع قال كان عبد الله بن عمر يطلي فيأمرني أطليه حتى إذا بلغ سفلته وليها هو، وأخرج الخرائطي عن مكحول قال لما قدم أبو الدرداء وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشام دخلوا الحمامات وأطلوا بالنورة، وأخرج البيهقي من طريق عبد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان لا يدخل الحمام وكان يتنور في البيت ويلبس إزارا ويأمرني أطلي ما ظهر منه ثم يأمرني أن أخرج عنه فيلي فرجه، وأخرج عبد الرزاق عن أم كلثوم قالت أمرتني عائشة فطليتها بالنورة ثم طليتها بالحناء على أثرها ما بين قرنها إلى قدمها من حصباء كانت بها، وقال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا مالك بن اسماعيل عن كامل عن حبيب قال دخل الحمام عطاء وطاووس ومجاهد فاطلوا فيه وحدثنا أبو أسامة عن عمر بن حمزة أن سالما أطلى مرة، وأخرج ابن عساكر عن أبي عثمان والربيع وأبي حارثة قال بلغ عمر أن خالد بن الوليد دخل الحمام فتدلك بعد النورة بخبز عصفر معجون بخمر فكتب إليه بلغني أنك تدلكت بخمر وأن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنها وقد حرم مس الخمر كما حرم شربها فلا تمسوها أجسامكم فإنها نجس‏.‏

ذكر الحديث الوارد في أنه صلى الله عليه وسلم لم يتنور

قال ابن أبي شيبة في المصنف حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام عن الحسن - هو البصري - قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يطلون‏.‏ قال ابن كثير‏:‏ هذا من مراسيل الحسن وقد تكلم فيها ثم هو معارض بالأحاديث السابقة‏.‏ وأخرج البيهقي في سننه عن عبد الله بن المبارك قال ما أدرى من أخبرني عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنور‏.‏ وأخرج أبو داود في المراسيل من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتنور ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان، كلاهما منقطع‏.‏ وأخرج البيهقي من طريق مسلم الملائي عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتنور فإذا كثر شعره حلقه قال البيهقي مسلم الملائي ضعيف الحديث فإن كان حفظه فيحتمل أن يكون قتادة أخذه أيضا عن أنس‏.‏ قلت فرجع الأمر إلى أنه حديث واحد وهو أولا ضعيف وثانيا معارض بالأحاديث السابقة وهي أقوى منه سندا وأكثر عددا وثالثا أن تلك مثبتة وهذا ناف والقاعدة الأصولية عند التعارض تقديم المثبت على النافي خصوصا أن التي روت الإثبات باشرت الواقعة وهي من أمهات المؤمنين وهي أجدر بهذه القضية فإنها مما يفعل في الخلوة غالبا لا بين أظهر الناس وكلاهما من وجوه الترجيحات‏.‏ فهذه خمسة أجوبة، وسادس وهو أنه على حسب اختلاف الأوقات فتارة كان يتنور وتارة كان يحلق ولا يتنور، وقد روى مثل هذا الاختلاف عن ابن عمر فتقدم من طرق عنه أنه كان يتنور، وأخرج الطبراني في الكبير بسند رجاله موثقون عن مسكين بن عبد العزيز عن أبيه قال دخلت على عبد الله بن عمر وجاريته تحلق عنه الشعر فقال إن النورة ترق الجلد‏.‏ فالجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه فعل الأمرين معا هذا في أوقات وهذا في أوقات، نعم ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يكره التنور ويعلله بأنه من النعيم‏.‏ قال سعيد بن منصور حدثنا حبان بن علي عن محمد بن قيس الأسدي عن رجل قال كان عمر بن الخطاب يستطيب بالحديد فقيل له ألا تنور قال إنها من النعيم وأنا أكرهها وقال ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن محمد بن قيس الأسدي عن علي بن أبي عائشة قال كان عمر رجلا أهيب وكان يحلق عنه الشعر وذكرت له النورة فقال النورة من النعيم‏.‏ وقد روي عنه ما يدل على أنه إنما كره الإكثار من ذلك‏.‏ قال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد حدثنا بقية حدثني أرطاة بن المنذر حدثني بعضهم أن عمر بن الخطاب قال إياكم وكثرة الحمام وكثرة طلاء النورة والتوطي على الفرش فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين فهذا الأثر قاطع للنزاع، و أولى ما اعتمد في التوقيت حديث ابن عمر السابق وهو التنور كل شهر فيكره في أقل من ذلك، ثم رأيت في مساوي الأخلاق للخرائطي قال حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق ثنا عبد العزيز بن الخطاب ثنا حميد يعني ابن يعقوب مولي بني هاشم وكان ثقة عن العباس بن فضل عن القاسم عن أبي حازم عن ابن عباس قال يا أيها الناس اتقوا الله ولا تكذبوا فوالله ما أطلى نبي قط، لكن قال ابن الأثير في النهاية ما أطلى نبي قط أي ما مال إلى هواه وأصله من ميل الطلي وهي الأعناق واحدتها طلاة يقال أطلى الرجال اطلاء اذا مالت عنقه إلى أحد الشقين انتهى‏.‏ وقال صاحب الملخص في غريب الحديث في حديثه عليه السلام ما أطلى نبي قط أي ما مالت طلاته أي عنقه أي ما جار، وقال عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب في بعض الأحاديث ما أطلى نبي قط أي ما مال إلى هوى والأصل فيه ميل عنق الانسان يقال أطلى الرجل أي مالت عنقه للموت أو غيره، وذكر مثل ذلك أيضا صاحب القاموس‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏‏:‏ روى البخاري في تاريخه وابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير والأوسط عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قصة بلقيس قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها فإذا هي شعراء فقال سليمان ما يذهبه قالوا يذهبه الموس قال أثر الموس قبيح فجعلت الشياطين النورة فهو أول من جعلت له النورة‏.‏ وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن عبد الله بن شداد مثله وله طرق عن مجاهد وغيره‏.‏ وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في القصة أن الشياطين صنعوا له نورة من أصداف فطلوها فذهب الشعر‏.‏

كتاب الصلاة

مسألة‏:‏

الحديث الذي رواه أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثم تذكر أنه جنب فأشار إليهم أن اسكنوا وخرج واغتسل وعاد وتحرم بهم، هذا الاستدلال به على من أحرم منفردا ثم نوى القدوة في خلال صلاته ظاهر أم لا، وقول الأسنوى ومن المعلوم أنهم أنشأوا اقتداءا جديدا هل ذلك في رواية أو طريق وهل عينت تلك الصلاة‏.‏

الجواب‏:‏

الاستدلال بالحديث المذكور ظاهر وقوله ومن المعلوم أي من طريق الاستدلال لأنهم تابعوه بعد عوده ولا يمكن المتابعة إلا بعد إنشاء اقتداء جديد لأن الاقتداء الأول لم يصادف محلا لكونه ليس في صلاة والصلاة المذكورة في الحديث هي الصبح‏.‏

مسألة‏:‏

في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على قوم فهل كان ذلك عقب فراغه من القنوت الذي هو اللهم أهدنا فيمن هديت إلى آخره أم ابتدأ به دونه‏.‏

الجواب‏:‏

لم أقف في شيء من الأحاديث على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين القنوت الذي هو اللهم إهدنا إلى آخره وبين الدعاء على القوم بل ظاهر الأحاديث أنه اقتصر في قنوته على الدعاء عليهم‏.‏

مسألة‏:‏

حديث لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد هل ورد‏.‏

الجواب‏:‏

نعم أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف هو من حديث أبي هريرة رواه الحاكم والطبراني عنه أيضا، ورواه الدارقطني أيضا من حديث جابر عن علي، ورواه ابن حبان في الضعفاء عن عائشة وأسانيده كلها ضعيفة‏.‏

مسألة‏:‏

قد كره الفقهاء أن يقال للعشاء عتمة فكيف ورد في الحديث الصحيح ‏"‏لو يعلمون ما في العتمة والصبح لشهدوهما ولو حبوا‏"‏‏.‏

الجواب‏:‏

عن الحديث من أوجه، الأول‏:‏ يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن تسميتها عتمة، الثاني‏:‏ أنه جرى على ما اشتهر على ألسنتهم كقوله صلى الله عليه وسلم أفلح وأبيه إن صدق وقد نهى أن يحلف بالآباء وإنما ذلك أمر جرى على الألسنة، الثالث‏:‏ يحتمل أن يكون ذلك من كلام الراوي لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لأن في بعض طرق الحديث ما في العشاء أو الصبح فلعل الراوي رواه بالمعنى ولم يطلع على النهي عن تسميتها عتمة، الرابع‏:‏ يحتمل أن يكون ذكر ذلك لبيان أن النهي عن تسميتها به نهي تنزيه لا تحريم‏.‏

مسألة‏:‏

هل ورد حديث لا تسودوني في الصلاة

الجواب‏:‏

لم يرد ذلك والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

هل ورد أن بلالا أو غيره أذن بمكة قبل الهجرة‏.‏

الجواب‏:‏

ورد ذلك بأسانيد ضعيفة لا يعتمد عليها والمشهور الذي صححه أكثر العلماء ودلت عليه الأحاديث الصحيحة أن الأذان إنما شرع بعد الهجرة وإنه لم يؤذن قبلها بلال ولا غيره‏.‏

مسألة‏:‏

في قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة‏"‏ هل المراد الكمال أو عدم الصحة‏.‏

الجواب‏:‏

ليس المراد هذا ولا هذا لأن ذلك إنما يكون في النفي المراد به النفي على ظاهره وأما النفي هنا فالمراد به النهي أي لا تصلوا إلا المكتوبة والله أعلم‏.‏

مسألة‏:‏

في قول البخاري في باب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة‏:‏ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم لا أعلم إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عبد الله وقال إسماعيل ينمي ذلك ولم يقل ينمي برفع الياء هل معنى قوله ينمي ذلك برفع الياء ولم يقل ينمي بالفتح فيكون في الكلام تقديم وتأخير أو التقدير ينمي ذلك ولم يقل ينمي برفع الياء وما وجه الصواب في ذلك وما الرواية فيه‏.‏

الجواب‏:‏

معناه قال إسماعيل ينمي بضم الياء مبنيا للمفعول ولم يقل ينمي بالفتح مبنيا للفاعل‏.‏

مسألة‏:‏

حديث سلموا على اليهود والنصارى ولا تسلموا على يهود أمتي قيل وما يهود أمتك قال تراك الصلاة هل ورد‏.‏

الجواب‏:‏

لم أقف عليه وأورد في الفردوس بلفظ ولا تسلموا على شارب الخمر وبيض له ولده في مسنده فلم يذكر له إسنادا‏.‏

مسألة‏:‏

من التكرور ما الفرق بين حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن بيع بيوتهم حين أرادوا بيعها بسبب بعدها من المسجد فقال لهم صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن لكم بكل خطوة درجة‏"‏ رواه مسلم وكذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا وبين حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏فضل الدار القريبة من المسجد على الدار الشاسعة كفضل الغازي على القاعد‏"‏ خرجه الإمام أحمد‏.‏

الجواب‏:‏

لا تخالف بين هذه الأحاديث فإن كل واقعة لها حكم يخصها، وشاهد ذلك أن الأحاديث قد وردت في تفضيل ميامين الصفوف فلما رغب الناس في ذلك عطلوا ميسرة المسجد فقيل يا رسول الله ان ميسرة المسجد قد تعطلت فقال من عمر ميسرة المسجد كتب له كفلان من الأجر فأعطى أهل المبسرة في هذه الحالة ضعف ما لأهل الميمنة من الأجر وليس لهم ذلك في كل حال وإنما خص بذلك هذه الحالة لما صارت معطلة وكذلك ما نحن فيه أصل القضية تفضيل الدار القريبة من المسجد على البعيدة منها فلما ثبت لها هذا الفضل رغب كل الناس في ذلك حتى أراد بنو سلمة أن يغيروا ظاهر المدينة وينتقلوا قرب المسجد فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرى ظاهر المدينة فأعطاهم هذا الفضل في هذه الحالة ونزل في هذه القصة قوله تعالى ‏(‏ونكتب ما قدموا وآثارهم‏)‏ وقال صلى الله عليه وسلم حين نزلت الآية ‏"‏يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم‏"‏‏.‏

مسألة‏:‏

في حديث الترمذي عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده مرفوعا العطاس والنعاس والتثاؤب في الصلاة من الشيطان إسناده ضعيف وله شاهد عند الطبراني ضعيف عن ابن مسعود قوله وفي حديث ابن أبي شيبة عن أبي هريرة إن الله يكره التثاؤب ويحب العطاس في الصلاة قال الحافظ ابن حجر إسناده ضعيف وهو موقوف وفي حديث عبد الرزاق عن قتادة قال سبع من الشيطان فذكر منها شدة العطاس ما الجمع بين ذلك‏.‏

الجواب‏:‏

المقام مقامان مقام الاطلاق ومقام نسبي فأما مقام الاطلاق فإن التثاؤب والعطاس في الصلاة كلاهما من الشيطان وعليه يحمل حديث الترمذي، وأما المقام النسبي فإذا وقعا في الصلاة مع كونهما من الشيطان فالعطاس في الصلاة أحب إلى الله من التثاؤب فيها والتثاؤب فيها أكره إليه من العطاس فيها، وعلى هذا يحمل أثر ابن أبي شيبة فهو راجع إلى تفاوت رتب بعض المكروه على بعض هذا على تقدير ثبوت لفظ في الصلاة في الأثر‏.‏

الجواب الحزم عن حديث التكبير جزم

مسألة‏:‏

في قوله عليه الصلاة والسلام التكبير جزم وفي قول بعضهم تأييدا لمقتضاه أنه عليه الصلاة والسلام لم ينطق بالتكبير إلا مجزوما هل الحديث ثابت أم لا، وعلى تقدير ثبوته هل هو صحيح أو حسن أو ضعيف ومن خرجه من العلماء ومن رجاله ومن تعرض للكلام على سنده ومتنه من الأئمة، وما التحقيق في حكم المسألة هل يشترط الجزم فيها أو لا وهل للشافعي رضي الله عنه فيها نص أم لا‏.‏

الجواب‏:‏

أما الحديث فغير ثابت قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح الكبير‏:‏ حديث التكبير جزم لا أصل له وإنما هو من قول إبراهيم النخعي حكاه عنه الترمذي انتهى‏.‏ وقد وقفت على إسناده عن النخعي قال عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن العلاء عن مغيرة قال قال ابراهيم التكبير جزم يقول لا يمد - هكذا وقع في الرواية مفسرا وهذا التفسير إما من الراوي عن النخعي أو من يحيى أو من عبد الرزاق وكل منهم أولى بالرجوع إليه في تفسير الأثر، وفسره بذلك أيضا الامام الرافعي في الشرح وابن الأثير في النهاية وجماعة آخرون، وأغرب المحب الطبري فقال معناه لا يمد ولا يعرب بل يسكن آخره وهذا الثاني مردود بوجوه‏:‏ أحدها مخالفته لتفسير الراوي والرجوع إلى تفسير الراوي أولى كما تقرر في علم الأصول، الثاني مخالفته لما فسره به أهل الحديث والفقه، الثالث أن إطلاق الجزم على حذف الحركة الاعرابية لم يكن معهودا في الصدر الأول وإنما هو اصطلاح حادث فلا يصح الحمل عليه‏.‏ وأما حديث أنه عليه السلام لم ينطق بالتكبير إلا مجزوما فلم نقف عليه وإن كان هو الظاهر من حاله صلى الله عليه وسلم لأن فصاحته العظيمة تقتضي ذلك، وأما هل يشترط الجزم فجوابه لا بل لو وقف عليه بالحركة صح تكبيره وانعقدت صلاته لأن قصارى أمره أنه صرح بالحركة في حالة الوقف وهو دون اللحن ومعلوم أنه لو لحن بأن نصب الجلالة مثلا لم يضره في صحة الصلاة كما لو لحن في الفاتحة لحنا لا يغير المعنى فإنه لا تبطل صلاته كما هو منصوص عليه، وأما هل للشافعي رضي الله عنه نص في ذلك فجوابه أنه لم ينص على ذلك وكذلك غالب الأصحاب اكتفاءا بما نصوا عليه في اللحن في القراءة ومن نص على ذلك منهم كالمحب الطبري فكلامه في الاستحباب لا في الاشتراط بقرينة ذكر ذلك مع مسألة المدومد التكبير لا يبطل بلا خلاف وحذفه سنة بلا خلاف، نعم نص الشافعي في الأم على جزم التكبير بمعنى حذفه وعدم مده وتمطيطه‏.‏